الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
.تفسير الآيات (25- 26): قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ} لما ذكر الموفين بعهده، والمواصلين لأمره، وذكر ما لهم ذكر عكسهم. نقض الميثاق: ترك أمره. وقيل: إهمال عقولهم، فلا يتدبرون بها ليعرفوا الله تعالى. {وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} أي من الأرحام. والإيمان بجميع الأنبياء. {وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} أي بالكفر وارتكاب المعاصي {أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} أي الطرد والإبعاد من الرحمة. {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} أي سوء المنقلب، وهو جهنم. وقال سعد بن أبي وقاص: والله الذي لا إله إلا هو! إنهم الحرورية. قوله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ} لما ذكر عاقبة المؤمن وعاقبة المشرك بين أنه تعالى الذي يبسط الرزق ويقدر في الدنيا، لأنها دار امتحان، فبسط الرزق على الكافر لا يدل على كرامته، والتقتير على بعض المؤمنين لا يدل على إهانتهم. {وَيَقْدِرُ} أي يضيق، ومنه {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] أي ضيق. وقيل: {يَقْدِرُ} يعطي بقدر الكفاية. {وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا} يعني مشركي مكة، فرحوا بالدنيا ولم يعرفوا غيرها، وجهلوا ما عند الله، وهو معطوف على {وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ}. وفي الآية تقديم وتأخير، التقدير: والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض وفرحوا بالحياة الدنيا. {وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ} أي في جنبها. {إِلَّا مَتاعٌ} أي متاع من الأمتعة، كالقصعة والسكرجة. وقال مجاهد: شيء قليل ذاهب، من متع النهار إذا ارتفع، فلا بد له من زوال. ابن عباس: زاد كزاد الراعي. وقيل: متاع الحياة الدنيا ما يستمتع بها منها. وقيل: ما يتزود منها إلى الآخرة، من التقوى والعمل الصالح، {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} ثم ابتدأ. {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ} أي يوسع ويضيق. .تفسير الآيات (27- 28): قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} بين في مواضع أن اقتراح الآيات على الرسل جهل، بعد أن رأوا آية واحدة تدل على الصدق، والقائل عبد الله بن أبي أمية وأصحابه حين طالبوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالآيات. {قُلْ إِنَّ اللَّهَ} عز وجل: {يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ} أي كما أضلكم بعد ما أنزل من الآيات وحرمكم الاستدلال بها يضلكم عند نزول غيرها. {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ} أي من رجع. والهاء في {إِلَيْهِ} للحق، أو للإسلام، أو لله عز وجل، على تقدير: ويهدي إلى دينه وطاعته من رجع إليه بقلبه. وقيل: هي للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا} {الَّذِينَ} في موضع نصب، لأنه مفعول، أي يهدي الله الذين أمنوا. وقيل بدل من قول: {مَنْ أَنابَ} فهو في محل نصب أيضا. {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} أي تسكن وتستأنس بتوحيد الله فتطمئن، قال: أي وهم تطمئن قلوبهم على الدوام بذكر الله بألسنتهم، قاله قتادة: وقال مجاهد وقتادة وغيرهما: بالقرآن. وقال سفيان بن عيينة: بأمره. مقاتل: بوعده. ابن عباس: بالحلف باسمه، أو تطمئن بذكر فضله وإنعامه، كما توجل بذكر عدله وانتقامه وقضائه. وقيل: {بِذِكْرِ اللَّهِ} أي يذكرون الله ويتأملون آياته فيعرفون كمال قدرته عن بصيرة. {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} أي قلوب المؤمنين. قال ابن عباس: هذا في الحلف، فإذا حلف خصمه بالله سكن قلبه. وقيل: {بِذِكْرِ اللَّهِ} أي بطاعة الله. وقيل بثواب الله. وقيل: بوعد الله. وقال مجاهد: هم أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. .تفسير الآية رقم (29): قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ} ابتداء وخبره. وقيل: معناه لهم طوبى، ف {طُوبى} رفع بالابتداء، ويجوز أن يكون موضعه نصبا على تقدير: جعل لهم طوبى، ويعطف عليه {وَحُسْنُ مَآبٍ} على الوجهين المذكورين، فترفع أو تنصب. وذكر عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عمرو بن أبي يزيد البكالي عن عتبة ابن عبد السلمي قال: جاء أعرابي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عن الجنة وذكر الحوض فقال: فيها فاكهة؟ قال: «نعم شجرة تدعى طوبى» قال: يا رسول الله! أي شجر أرضنا تشبه؟ قال«لا تشبه شيئا من شجر أرضك أأتيت الشام هناك شجرة تدعي الجوزة تنبت على ساق ويفترش أعلاها». قال يا رسول الله! فما عظم أصلها! قال: «لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما». وذكر الحديث، وقد كتبناه بكمال في أبواب الجنة من كتاب التذكرة، والحمد لله. وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا معمر عن الأشعث عن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: في الجنة شجرة يقال لها طوبى، يقول الله تعالى لها: تفتقي لعبدي عما شاء، فتفتق له عن فرس بسرجه ولجامه وهيئته كما شاء، وتفتق عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما شاء، وعن النجائب والثياب. وذكر ابن وهب من حديث شهر بن حوشب عن أبي أمامة الباهلي قال: {طوبى} شجرة في الجنة ليس منها دار إلا وفيها غصن منها، ولا طير حسن إلا هو فيها، ولا ثمرة إلا هي منها، وقد قيل: إن أصلها في قصر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجنة، ثم تنقسم فروعها على منازل أهل الجنة، كما انتشر منه العلم والإيمان على جميع أهل الدنيا. وقال ابن عباس: {طُوبى لَهُمْ} فرح لهم وقره عين، وعنه أيضا أن {طُوبى} اسم الجنة بالحبشية، وقال سعيد بن جبير. الربيع بن أنس: هو البستان بلغة الهند، قال القشيري: إن صح هذا فهو وفاق بين اللغتين. وقال قتادة: {طُوبى لَهُمْ} حسنى لهم. عكرمة: نعمى لهم. إبراهيم النخعي: خير لهم، وعنه أيضا كرامة من الله لهم. الضحاك: غبطة لهم. النحاس: وهذه الأقوال متقاربة، لأن طوبى فعلى من الطيب، أي العيش الطيب لهم، وهذه الأشياء ترجع إلى الشيء الطيب. وقال الزجاج: طوبى فعلى من الطيب، وهي الحالة المستطابة لهم، والأصل طيبي، فصارت الياء واوا لسكونها وضم ما قبلها، كما قالوا: موسر وموقن. قلت: والصحيح أنها شجرة، للحديث المرفوع الذي ذكرناه، وهو صحيح على ما ذكره السهيلي، ذكره أبو عمر في التمهيد، ومنه نقلناه، وذكره أيضا الثعلبي في تفسيره، وذكر أيضا المهدوي والقشيري عن معاويه بن قرة عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «طوبى شجرة في الجنة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة» ومن أراد زيادة على هذه الأخبار فليطالع الثعلبي. وقال ابن عباس: {طُوبى} شجرة في الجنة أصلها في دار علي، وفي دار كل مؤمن منها غصن. وقال أبو جعفر محمد بن علي: سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قوله تعالى: {طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} قال: «شجرة أصلها في داري وفروعها في الجنة» ثم سئل عنها مرة أخرى فقال: «شجرة أصلها في دار على وفروعها في الجنة». فقيل له: يا رسول الله! سئلت عنها فقلت: «أصلها في داري وفروعها في الجنة» ثم سئلت عنها فقلت: «أصلها في دار علي وفروعها في الجنة» فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن داري ودار علي غدا في الجنة واحدة في مكان واحد» وعنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «هي شجرة أصلها في داري وما من دار من دوركم إلا مدلى فيها غصن منها» {وَحُسْنُ مَآبٍ} آب إذا رجع. وقيل: تقدير الكلام الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله وعملوا الصالحات طوبى لهم. .تفسير الآية رقم (30): قوله تعالى: {كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ} أي أرسلناك كما أرسلنا الأنبياء من قبلك، قاله الحسن. وقيل: شبه الأنعام على من أرسل إليه محمد عليه السلام بالأنعام على من أرسل إليه الأنبياء قبله. {لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} يعني القرآن. {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ} قال مقاتل وابن جريج: نزلت في صلح الحديبية حين أرادوا أن يكتبوا كتاب الصلح، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم» فقال سهيل بن عمرو والمشركون: ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، اكتب باسمك اللهم، وهكذا كان أهل الجاهلية يكتبون، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي: «اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله» فقال مشركو قريش: لئن كنت رسول الله ثم قاتلناك وصددناك لقد ظلمناك، ولكن اكتب: هذا ما صالح عليه محمد ابن عبد الله، فقال أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعنا نقاتلهم، فقال: «لا ولكن اكتب ما يريدون» فنزلت. وقال ابن عباس: نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: {اسجدوا للرحمن} قالوا وما الرحمن؟ فنزلت. {قُلْ} لهم يا محمد: الذي أنكرتم. {هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ} ولا معبود سواه، هو واحد بذاته، وإن اختلفت أسماء صفاته. {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} واعتمدت ووثقت. {وَإِلَيْهِ مَتابِ} أي مرجعي غدا، واليوم أيضا عليه توكلت ووثقت، رضا بقضائه، وتسليما لأمره. وقيل: سمع أبو جهل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو في الحجر ويقول: «يا الله يا رحمان» فقال: كان محمد ينهانا عن عبادة الآلهة وهو يدعو إلهين، فنزلت هذه الآية، ونزل. {قل ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ} [الإسراء: 110]. .تفسير الآية رقم (31): قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ} هذا متصل بقول: {لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} [يونس: 20]. وذلك أن نفرا من مشركي مكة فيهم أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية المخزوميان جلسوا خلف الكعبة، ثم أرسلوا إلى رسول الله فأتاهم، فقال له عبد الله: إن سرك أن نتبعك فسير لنا جبال مكة بالقرآن، فأذهبها عنا حتى تنفسح، فإنها أرض ضيقة، واجعل لنا فيها عيونا وأنهارا، حتى نغرس ونزرع، فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود حين سخر له الجبال تسير معه، وسخر لنا الريح فنركبها إلى الشام نقضي عليها ميرتنا وحوائجنا، ثم نرجع من يومنا، فقد كان سليمان سخرت له الريح كما زعمت، فلست بأهون على ربك من سليمان بن داود، وأحي لنا قصيا جدك، أو من شئت أنت من موتانا نسأله، أحق ما تقول أنت أم باطل؟ فإن عيسى كان يحيى الموتى، ولست بأهون على الله منه، فأنزل الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ} الآية، قال معناه الزبير بن العوام ومجاهد وقتادة والضحاك، والجواب محذوف تقديره: لكان هذا القرآن، لكن حذف إيجازا، لما في ظاهر الكلام من الدلالة عليه، كما قال امرؤ القيس: يعني لهان علي، هذا معنى قول قتادة، قال: لو فعل هذا قرآن قبل قرآنكم لفعله قرآنكم. وقيل: الجواب متقدم، وفي الكلام تقديم وتأخير، أي وهم يكفرون بالرحمن لو أنزلنا القرآن وفعلنا بهم ما اقترحوا. الفراء: يجوز أن يكون الجواب لو فعل بهم هذا لكفروا بالرحمن. الزجاج: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً} إلى قوله: {الْمَوْتى} لما آمنوا، والجواب المضمر هنا ما أظهر في قوله: {وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ} [الأنعام: 111] إلى قوله: {ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ} [الأنعام: 111]. {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً} أي هو المالك لجميع الأمور، الفاعل لما يشاء منها، فليس ما تلتمسونه مما يكون بالقرآن، إنما يكون بأمر الله. قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} قال الفراء قال الكلبي: {يَيْأَسِ} بمعنى يعلم، لغة النخع، وحكاه القشيري عن ابن عباس، أي أفلم يعلموا، وقاله الجوهري في الصحاح. وقيل: هو لغة هوازن، أي أفلم يعلم، عن ابن عباس ومجاهد والحسن. وقال أبو عبيدة: أفلم يعلموا ويتبينوا، وأنشد في ذلك أبو عبيدة لمالك بن عوف النصري: ييسرونني من الميسر، وقد تقدم في البقرة ويروى يأسرونني من الأسر. وقال رباح بن عدي: في كتاب الرد أني أنا ابنه وكذا ذكره الغزنوي: ألم يعلم، والمعنى على هذا: أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا من غير أن يشاهدوا الآيات. وقيل: هو من اليأس المعروف، أي أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الكفار، لعلمهم أن الله تعالى لو أراد هدايتهم لهداهم، لأن المؤمنين تمنوا نزول الآيات طمعا في إيمان الكفار. وقرأ علي وابن عباس: {أفلم يتبين الذين آمنوا} من البيان. قال القشيري: وقيل لابن عباس المكتوب {أَفَلَمْ يَيْأَسِ} قال: أظن الكاتب كتبها وهو ناعس، أي زاد بعض الحروف حتى صار {يَيْأَسِ}. قال أبو بكر الأنباري: روي عن عكرمة عن ابن أبي نجيح أنه قرأ- {أفلم يتبين الذين آمنوا} وبها احتج من زعم أنه الصواب في التلاوة، وهو باطل عن بن عباس، لأن مجاهدا وسعيد بن جبير حكيا الحرف عن ابن عباس، على ما هو في المصحف بقراءة أبي عمرو وروايته عن مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس، ثم إن معناه: أفلم يتبين، فإن كان مراد الله تحت اللفظة التي خالفوا بها الإجماع فقراءتنا تقع عليها، وتأتي بتأويلها، وإن أراد الله المعنى الآخر الذي اليأس فيه ليس من طريق العلم فقد سقط مما أوردوا، وأما سقوطه يبطل القرآن، ولزوم أصحابه البهتان. {أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ} {أَنَّ} مخففة من الثقيلة، أي أنه لو يشاء الله {لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً} وهو يرد على القدرية وغيرهم. قوله تعالى: {وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ} أي داهية تفجؤهم بكفرهم وعتوهم، ويقال: قرعه أمر إذا أصابه، والجمع قوارع، والأصل في القرع الضرب، قال: أي لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أربد أو من قتل أو من أسر أو جدب، أو غير ذلك من العذاب والبلاء، كما نزل بالمستهزئين، وهم رؤساء المشركين. وقال عكرمة عن ابن عباس: القارعة النكبة. وقال ابن عباس أيضا وعكرمة: القارعة الطلائع والسرايا التي كان ينفذها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم {أَوْ تَحُلُّ} أي القارعة. {قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ} قاله قتادة والحسن. وقال ابن عباس: أو تحل أنت قريبا من دارهم. وقيل: نزلت الآية بالمدينة، أي لا تزال تصيبهم القوارع فتنزل بساحتهم أو بالقرب منهم كقرى المدينة ومكة. {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} في فتح مكة، قاله مجاهد وقتادة. وقيل: نزلت بمكة، أي تصيبهم القوارع، وتخرج عنهم إلى المدينة يا محمد، فتحل قريبا من دارهم، أو تحل بهم محاصرا لهم، وهذه المحاصرة لأهل الطائف، ولقلاع خيبر، ويأتي وعد الله بالإذن لك في قتالهم وقهرهم. وقال الحسن: وعد الله يوم القيامة.
|